غياهيب الكلمات**






لي صاحب أحبه وأحب ما فيه من خصال وسماحة وكرم وكان من أصحاب الوزن الثقيل جدا، مرت ثلاثة أعوام ولم أره منذ آخر مرة التقينا فيها ولم أجد إليه سبيلا، حينها  أخذ يحدثني عن طموحاته وآماله التي بلغت عنان السماء،والعجيب الأعجب أن أحلامه تناقض طبيعته وشخصيته تماما، وقد كنت أغبط نفسي على بلاغتي وقدرتي اللغوية فحدثته ضاحكا: يا صاحبي هون عليك وعلى أحلامك،جسم البغال وأحلام العصافير*.. 
رمقني بنظرة شؤم وغادرني إلى الآن..

 

لا أزال أشعر حتى الساعة بالأسف نحو ذاك الصديق وما خدشت في نفسه كلماتي من ألم وضيق،وربما تتكرر كثير من أمثال هذا المشهد يوميا أمام نواظرنا، تنتابنا الأفكار وسريعا ما نترجمها لأقوال وأفعال، وكأن أنفسنا جبلت على ذلك..

 

لم أر فيما رأيت من قبل، ولم أسمع كذلك أسوأ ممن يقذف بالكلمات خيرها وشرها دون حسبان لأثرها من بعد، وإني لأراهم كمن يضغط زناد سلاحه ويطلق رصاصة لا مجال له في سحبها أو إيقافها.. وكأن الأمر نفسه تماما، حينما تخرق الكلمات طبلة الأذن فيدوي ألمها في النفس طويلا، وربما لا تداويها كلمات الإحسان فيبقى جرحها بئس الذكرى لها..

 

ولو قدر لنا إن مضينا فيما مر بنا لرأينا كم أن الكلمات تجرح، والأصوات تدوي، وإني لأحسب عمق أثرها وشقاء أربابها،فالكلمات يا صاح ترعد في النفس هما وفزعا، وتنغص فيها لهبا وألما، فحسبك حسبك لسانك ودرنه..

 

وتلك أخرى؛ فدائما ما نضيع بين الإغراق في المدح والإغراق في الذم، وما بين هذا وذاك تغيب عبارات الثناء وأساليب البناء، فنغرق في بحر يعب عبابه بهفوات اللسان وزلات الكلام، ونغيب في قعر من الظلام والغضب والشحناء..

 

لو كان لي أن أكتب مقالا لما كتبت أكثر مما قال سليمان في هذا المقام: "انتبهوا لأصواتكم.. لكلماتكم.. فالشقوق التي تصنعها الكلمات يصعب ترميمها"..

:

بقلم :عويشة بنت عبدالله المعمري
صوت : نضراء بنت مالك الشبلي

0 التعليقات: